الرهان متعاظم على موقف الراعي ودوره

احدث الموقف الذي اطلقه البطريرك الماروني بشارة الراعي بالمطالبة بفك الحصار عن الشرعية وتحرير القرار والدعوة الى تحييد لبنان بمعنى ابعاده عن المحاور الاقليمية احراجا كبيرا لكل الافرقاء السياسيين باعتباره موقفا متقدما ترغب في حصوله كل القوى لكن من دون قدرة على فتحه راهنا تخوفا من اشتباك سياسي قد يزيد الوضع سوءا. ان تأتي الخطوة من بكركي ترك ارتياحا كبيرا على المستويين السياسي والشعبي لان الوضع لم يعد يحتمل والمخاطر يستشعرها الجميع في الوقت الذي لا يملك الخارج الذي يجد في موقف البطريرك نواة لما يدعو اليه اصلا اي بديل. بالنسبة الى اوساط سياسية وديبلوماسية يكتسب كلام البطريرك بعدين اساسيين: الاول انه موقف تأسيسي يبنى عليه والالتفاف المهم جدا من حوله كانت المواقف التي صدرت من دار الفتوى والزيارات الداعمة التي تلقاها البطريرك من الشخصيات السنية الوازنة كما من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط علما ان الدعم الذي لا يقل اهمية هو من الجانب المسيحي لان كلام البطريرك تميز بجرأة وشجاعة في مطالبته رئاسة الجمهورية تكرارا بفك الحصار عن الشرعية وتحرير القرار. فهذه كلمات قوية تتوجه الى الرئاسة التي يشغلها الرئيس ميشال عون ” الرئيس القوي” والتي تفيد انها مكبلة او مقيدة ما يعني ضمنا انها لا تستطيع ان تقوم بالواجبات التي يفترض ان تقوم بها وفقا للدستور. هذا الواقع بات يثقل على لبنان بعدما ازالت الرئاسة الاولى اي تمايز بين الدولة اللبنانية و”حزب الله” على نحو ادى الى عزل لبنان نفسه عن سائر الدول العربية الصديقة وعن علاقاته الغربية. كما انه لم يسبق للرئاسة المارونية ان عايشت انقطاعا في التواصل مع دول صديقة للبنان الا في زمن التمديد لاميل لحود الذي كلف البلد باهظا على كل المستويات.لم يسبق ان حصل ذلك ابان رئاسات عادية ولا يمكن الاعتداد بايفاد مدير الامن العام اللواء عباس ابرهيم الى الكويت او قطر ربما كما لو الامر يوحي بان هاتين الدولتين الخليجيتين منفصلتان في العلاقة عن دول التعاون الخليجي او انهما اقرب الى ايران منهما الى المملكة العربية السعودية في الوقت الذي باتت مواقف الدول كلها من لبنان شبه موحدة وهي تتصل بانجاز لبنان ما هو مطلوب منه على صعيد الاصلاحات الاقتصادية والتزامه النأي بالنفس فعلا لا قولا حتى لو ان الكويت مثلا لا يمكنها على ما هو معروف عنها الا مساعدة لبنان والتعاطف معه. والدعم الذي حظي به البطريرك من شأنه ان يسلحه البطريرك بموقف سياسي وشعبي بحيث يلقي على عاتقه مسؤولية متابعة مبادرته وعدم التراجع سيما في ظل خشية من محاولات تأثير غير مستبعدة نتيجة وجود مصالح لافرقاء كثر يخشون تأسيسا من بكركي لموقف تاريخي مماثل لذلك الذي حفزه البطريرك الراحل نصرالله بطرس صفير وحماه بمواقفه التاريخية. وفي ظل شعور بكركي بغضب الناس من السياسيين فان الامال باتت متجهة حصرا اليها من اجل ان تقوم الكنيسة بدورها التاريخي المعروف الذي لا احد يستطيع ان يسلبها هذه الدور من دون اغفال محاولات تحجيمه او طمسه وفق ما هو متوقع.

والبعد الاخر من كلام البطريرك انه وضع الموضوع في نصابه الحقيقي “الهوياتي”. فالمسألة باتت مسألة هوية في البلد وهي ليست مسألة سياسة فحسب. ففي ظل معلومات تتحدث عن انطلاق مجموعة من السفن من ايران في اتجاه العراق من اجل نقلها الى ” حزب الله” في لبنان بحيث تنقل محروقات ومواد تموينية وذلك في ظل احراج للسلطة ان تخرق العقوبات على ايران في حال وصول هذه البواخر الى الشواطىء اللبنانية، فيتم التعمية على ذلك عبر نقلها من العراق في ظل زيارة تمويهية لوفد عراقي اخيرا الى بيروت، فان هناك فريقا بات يقرر اتجاهات البلد ويتحكم ليس فقط بقراره بل بمصارفه ومستوى عملته فيما انه يحصن نفسه ولا يأبه عملانيا بكل التبعات التي يرتبها على البلد وانهياره. حتى الامس القريب كان ثمة تساؤلات كبيرة ولا تزال لدى الجميع عن الصمت البالغ ازاء الدفع الجاري بالبلد الى الانهيار واللامبالاة فعلا من السلطة وليس من الحكومة فحسب لكل النصائح الخارجية باجراء ما يتعين على لبنان القيام به من اجل ان تتاح للخارج فرصة دعمه. هناك رهان سياسي قام خلال الاشهر الماضية على ان تتحمل السلطة التي تضم راهنا التيار العوني والثنائي الشيعي مسؤولية السياسة التي تعتمدها هذه السلطة فيظهر للداخل والخارج انها سلطة فاشلة ولا تستطيع ان تدير البلد او ان تنقذه. وتبين ان هذا الرهان واقعي ولا مبالغة فيه لان السلطة فاشلة ولا ترغب في ان تعالج اي امر علما ان هناك من يعتقد ان الحزب لا يهمه فعلا ما يصيب البلد خارج دائرته المباشرة وفي اقصى الاحتمالات ابعد من بيئته على رغم تحكمه بالقرار السياسي وبمفاصل البلد ككل. لكن الافرقاء خارج السلطة والتي لا ينطبق عليهم توصيف المعارضة باعتبار انهم مجموعة معارضات لا يمكنها الصمت فيما يحتاج موقف البطريرك الى اسناد في ظل الخطر الذي بات يستشعره الجميع على الكيان اللبناني. ومع ان هناك تساؤلات اذا كان موقف البطريرك مدعوما من الكرسي الرسولي ام لا ومعبرا عنه، فان الخطر الذي يشير اليه البطريرك يفترض دعما لا يقتصر على الداخل فحسب بل على الفاتيكان ايضا وفق ما يرى كثر باتوا لا يرون سبيلا الا بدعم موقف البطريرك برؤية انقاذية تضغط على رئاسة الجمهورية من اجل ان تعيد التوازن الى البلد ولا تحتمل مسايرة لها. ولذلك الرهان ان يستمر هذا الموقف ويتم تحصينه بحيث لا يساهم اي تراجع في هذا الموقف في توجيه ضربة بكركي وانهاء دورها بل ان يبنى عليه كوسيلة لا يبدو متيسرا سواها في المدى المنظور.

روزانا بومنصف-النهار