هل أخطأ عون في السعي إلى الرئاسة؟

لم يكن يتوقع الرئيس ميشال عون ان ينتهي عهده في النصف الثاني من ولايته الرئاسية، حيث دخل اعتباراً من اندلاع الثورة في 17 تشرين الأول، أي قبل 14 يوماً على اتمام السنة الثالثة على انتخابه، في مرحلة من انعدام الوزن الوطني.

من الصعوبة بمكان ان يتمكن الرئيس عون من إعادة ترميم وضعه الرئاسي لأربعة أسباب رئيسية:

السبب الأول، لأنّ الأزمة المالية التي انفجرت في وجهه أنهكته وأضعفته ووضعته في موقع ردّ الفعل، فضلاً عن انّه يصعب الخروج من هذه الأزمة البنيوية، لا العابرة، قبل سنوات، وهذا في حال تمّ اللجوء إلى إصلاحات جدّية، فيما لا مؤشرات إلى إصلاحات والوضع يزداد تدهوراً وسوءاً.

السبب الثاني، لأنّ الرأي العام اللبناني العريض انتفض في وجه العهد، والناس ليست في وارد منح الرئيس فرصة جديدة، بخاصة انّه لن يتمكن من تحقيق الإنجازات بما تبقّى له من ولاية، هذا إذا نجح في إكمالها بسبب الأزمة المالية المتدحرجة، ومن الصعوبة بمكان تغيير انطباع الناس السلبي الذي يتطلب مساراً شاقاً ووقتاً طويلاً.

فهناك مزاج لبناني عام وعريض لم يعد يتقبّل الحالة العونية، وهذا ما يفسِّر ردّ الفعل الشعبي على النائب جبران باسيل، الذي اعتبر بنفسه بأنّه تمت «شيطنته»، و»الشيطنة» ليست ناتجة من مؤامرة حيكت في غرف سوداء، إنما تنمّ عن تعبير شعبي عفوي بسبب ممارسات باسيل، ولم ينفع معها لا غياب إطلالته لفترة معينة، تجاوباً مع نصائح الخبراء، ولا إعلانه انّه غير مرشح للرئاسة الذي لم يمرّ على أحد، بل باتت كل إطلالة له تستفز الناس عفوياً، ولم تعد المواجهة محصورة بينه وبين «القوات»، إنما انسحبت على الشارع اللبناني العريض.

السبب الثالث، لأنّه باستثناء «حزب الله»، لا حليف سياسياً للعهد، وحتى الحزب بالكاد يستطيع ان يقنع بيئته بدعم فريق سياسي يحمِّله مسؤولية الانهيار الحاصل، والحماس الذي حظي به عون داخل هذه البيئة قبل انتخابه لم يعد موجوداً اليوم، فيما سائر القوى السياسية تتعامل معه كأمر واقع بانتظار رحيله، وهي غير مستعدة لأي تحالف معه، وليس تفصيلاً انّ العهد لم يُحسن إدارة تحالفاته التي كانت نقطة قوة له، فيما انفصالها عنه جعله في موقع الضعف على رغم حيثيته التمثيلية.

السبب الرابع، لأنّه لا يحظى بثقة المجتمعين العربي والدولي ولا دعمهما، ومن دون هذه المظلة يصعب على عون أو غيره ان يتمكن من الاستمرارية، بدليل انّ وقف المساعدات التي رُبطت بالإصلاحات، أدّى إلى مفاقمة الأزمة المالية، وهذا عدا عن اي مرشح لرئاسة الجمهورية لا يمكنه ان يتبوأ هذا المنصب من موقع الخلاف مع المجتمع الدولي، بخاصة في المرحلة التي تحوّل فيها الموقف الدولي إلى حاسم ومواجه للسياسة الإيرانية، وطالما انّ المتنفّس المالي والاقتصادي للبنان هو غربي الطابع، فلا يمكن الخروج من الانهيار الذي أحد أسبابه إقفال الحنفية المالية الدولية، سوى بالتجاوب مع الشروط الإصلاحية التي يضعها المجتمع الدولي، فضلاً عن انّ هذا الانهيار يزيد من تأثير الخارج على قرار الداخل، ما يحول دون وصول من هو معادٍ لهذا التوجّه، إن على مستوى رئاسة الجمهورية أو الحكومة.

ولم يعد أمام الرئيس عون سوى خيار أوحد، وهو الحدّ من خسائره، هذا إذا استطاع ذلك، لأنّ وقف دينامية الانهيار ليس بهذه السهولة التي يظنها البعض، بخاصة انّ فريقه السياسي ليس في وارد الإصلاح حفاظاً على سطوته ومكاسبه، وحتى لو قرّر الشروع في الإصلاح فلن يستعيد لبنان توازنه المالي إلّا بعد سنوات، وهذا من دون إسقاط وإهمال تزامن الانهيار مع ارتفاع منسوب الضغوط الأميركية على طهران وأذرعها، وآخرها صدور قانون «قيصر» الذي وضع «حزب الله» وسط حصار مربّع: إسرائيل من جهة، و»قيصر» أميركا من جهة ثانية، والتأزُّم المالي من جهة ثالثة، والغضب الشعبي من جهة رابعة.

وأكثر ما كشف التيار العوني هو السلطة، لأنّ هذا الفريق راكم شعبيته على السلب لا الإيجاب، ومعلوم انّ المعارضة تستقطب الناس خلافاً للسلطة التي تُرهق أصحابها، ومحاولته تكرار تجربة رئاسته للحكومة الانتقالية بأن يكون في موقع الحاكم والمعارض في آن معاً لم تنجح، لأنّ ما يُبرّر في الحرب والفوضى لا يستقيم في السلم والاستقرار، ولم تقبض الناس مقولة «ما خلونا نشتغل» ولا رمي المسؤولية على الآخرين، وأظهر بأنّه غير قادر ليس فقط على تحسين الوضع اللبناني، إنما على مجرد إدارة الأزمة التي تفجرّت في عهده، حيث انتقل من إدارة أزمة سياسية غير قادر على إيجاد الحلول لها، إلى إدارة الانهيار المالي المعطوف على التأزُّم السياسي.

فلم يُحسن تجنيب لبنان الانهيار المالي، وهو كان قادراً على ذلك لو وضع هذه المسألة كأولوية منذ انتخابه رئيساً للجمهورية، ولم يُحسن الحفاظ على تحالفاته وتفاهماته التي كانت مصدر قوة لعهده، إنما فرّط بها الواحدة تلو الأخرى، ولم يُحسن انتزاع ثقة الخارج بدوره، الأمر الذي أوصله وأوصل البلد إلى ما وصل إليه.

وما تبقّى من ولاية العهد سيكون في أفضل الأحوال على صورة الوضع الحالي. وبالتالي كان من الأفضل للعماد عون ألّا يسعى إلى الرئاسة التي دمرّت كل الصورة التي ألبسها لشخصه، وبأنّ ما قبل عهده غير ما بعده، وانّه المنقذ الوحيد للجمهورية. وإذا كان استعادة السيادة متعذراً بسبب ارتباطها بالبعد الإقليمي، إلّا انّ التخلي الخليجي عن لبنان حصل في عهده بفعل إطلاق يد «حزب الله، كما انّه كان بإمكانه ان يُنجز إصلاحياً في بناء دولة المؤسسات، الأمر الذي لم يحصل، بدليل رفض الالتزام بآلية التعيينات ولا توقيع التشكيلات القضائية وكل النهج الممارس، وكان بإمكانه أيضاً ان ينقل لبنان إلى الإزدهار الاقتصادي من خلال سياسات مالية واضحة المعالم، فحصل العكس، والسبب في كل ذلك هو أوحد، لأنّ الرئيس عون أطلق يد باسيل ووضع نصب عينه أولوية خلافته لا أولوية إنجاح عهده.

وفي موازاة سوء إدارة الدولة، هناك سوء إدارة سياسية، وإلّا لا يوجد ما يبرّر القطيعة السياسية معه، فيما لا يمكن الكلام عن مؤامرة، بدليل انّ قوى المعارضة لا جامع بينها وتتخذ مواقفها بمعزل عن بعضها البعض، وحتى «حزب الله» الذي بحاجة لمظلته المسيحية امتنع عن الالتزام بترشيح باسيل، وبدأ يرسم مسافة مع الخلف، لا سيما انّ أولويته تجنُّب الفتنة السنّية- الشيعية، ومع انفكاك جبهة 14 آذار تراجعت الحاجة لـ»التيار الحر» إلى درجة انّ التناقض او الخلاف «المستقبلي» أو «الإشتراكي» مع رئيس الجمهورية لا يؤدي الى خلاف مع «حزب الله».

المراجعة السياسية مطلوبة دائماً من أجل تصحيح المسار وتصويب الاتجاه، ولكن هل ما زال بإمكان رئيس الجمهورية لو أقدم على مراجعة من هذا النوع، ما هو مستبعد طبعاً، ان يُصحِّح المسار ويُصوِّب الاتجاه وان يحوِّل الانتكاسات السياسية والمالية والإصلاحية إلى انجازات؟

شارل جبور- الجمهورية